فصل: من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا للعالمين}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والتلاوة اسم لحكاية كلام لإرادة تبليغه بلفظة وهي كالقراءة إلا أن القراءة تختص بحكاية كلام مكتوب فيتجه أن تكون الطائفة المقصودة بالإشارة هي الآيات المبدوئة بقوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ} [آل عمران: 59] إلى هنا لأن ما قبله ختم بتذييل قريب من هذا التذييل، وهو قوله: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 58] فيكون كل تذييل مستقلا بطائفة الجمل التي وقع هو عقبها.
وخصت هذه الطائفة من القرآن بالإشارة لما فيها من الدلائل المثبتة صحة عقيدة الإسلام، والمبطلة لدعاوى الفرق الثلاث من اليهود والنصارى والمشركين، مثل قوله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ} [آل عمران: 59] وقوله: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إله وَاحِدٌ} [المائدة: 74] الآية.
وقوله: {فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} [آل عمران: 66] الآية.
وقوله: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} [آل عمران: 68] الآية.
وقوله: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ الله الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} [آل عمران: 79] والحكم والنبوة الآية.
وقوله: {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} [آل عمران: 81] الآية.
وقوله: {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا} [آل عمران: 93] فاتلوها.
وقوله: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} [آل عمران: 96] وما تخلل ذلك من أمثال ومواعظ وشواهد. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {تِلْكَ} فيه وجهان:
الأول: المراد أن هذه الآيات التي ذكرناها هي دلائل الله، وإنما جاز إقامة {تِلْكَ} مقام {هذه} لأن هذه الآيات المذكورة قد انقضت بعد الذكر، فصار كأنها بعدت فقيل فيها {تِلْكَ}.
والثاني: إن الله تعالى وعده أن ينزل عليه كتابًا مشتملًا على كل ما لابد منه في الدين، فلما أنزل هذه الآيات قال: تلك الآيات الموعودة هي التي نتلوها عليك بالحق، وتمام الكلام في هذه المسألة قد تقدم في سورة البقرة في تفسير قوله: {ذلك الكتاب} [البقرة: 2] وقوله: {بالحق} فيه وجهان الأول: أي ملتبسة بالحق والعدل من إجزاء المحسن والمسيء بما يستوجبأنه.
الثاني: بالحق، أي بالمعنى الحق، لأن معنى التلو حق. اهـ.

.قال ابن عادل:

قوله: {تلْكَ} مبتدأ، {آيَاتُ الله} خبره، و{نَتْلُوهَا} جملة حالية.
وقيل: {آيَاتُ الله} بدل من {تِلْكَ}، و{نَتْلُوها} جملة واقعة خبر المتبدأ، و{بِالحَقِّ} حال من فاعل {نتلُوهَا}، أو مفعولة، وهي حال مؤكدة؛ لأنه- تعالى- لا ينزلها إلا على هذه الصفة.
وقال الزَّجَّاج: في الكلام حذف، تقديره: تلك آيات القرآن حُجَجُ الله ودلائله.
قال أبو حيان: فعلى هذا الذي قدَّره يكون خبر المبتدأ محذوفًا؛ لأنه عنده بهذا التقدير يتم معنى الآية، وهذا التقدير لا حاجة إليه؛ إذ الكلام مُسْتَغْنٍ عنه، تامٌّ بنفسه. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا للعالمين}:

.قال الفخر:

إنما حسن ذكر الظلم هاهنا لأنه تقدم ذكر العقوبة الشديدة وهو سبحانه وتعالى أكرم الأكرمين، فكأنه تعالى يعتذر عن ذلك وقال إنهم ما وقعوا فيه إلا بسبب أفعالهم المنكرة، فإن مصالح العالم لا تستقيم إلا بتهديد المذنبين، وإذا حصل هذا التهديد فلابد من التحقيق دفعًا للكذب، فصار هذا الاعتذار من أدل الدلائل، على أن جانب الرحمة غالب، ونظيره قوله تعالى في سورة (عم) بعد أن ذكر وعيد الكفار {إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَابًا وَكَذَّبُواْ بئاياتنا كِذَّابًا} [النبأ: 27، 28] أي هذا الوعيد الشديد إنما حصل بسبب هذه الأفعال المنكرة. اهـ.

.قال أبو السعود:

وقوله: {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا للعالمين} تذييلٌ مقرِّرٌ لمضمون ما قبله على أبلغِ وجهٍ وآكَدِه، فإن تنكيرَ الظلم وتوجيهَ النفي إلى إرادته بصيغة المضارعِ دون نفسِه وتعليقَ الحكمِ بآحاد الجمعِ المعروفِ، والالتفات إلى الاسم الجليلِ إشعارٌ بعلة الحكمِ وبيانٌ لكمال نزاهتِه عز وجل عن الظلم بما لا مزيدَ عليه أي ما يريد فردًا من أفراد الظلم لفرد من أفراد العالمين في وقت من الأوقات فضلًا عن أن يظلِمَهم، فإن المضارعَ كما يفيد الاستمرارَ في الإثبات يفيده في النفي بحسب المقامِ كما أن الجملةَ الاسميةَ تدلُّ بمعرفة المقامِ على دوام الثبوتِ، وعند دخولِ حرفِ النفي تدل على دوامِ الانتفاءِ لا على انتفاء الدوامِ وفي سبك الجملةِ نوعُ إيماءٍ إلى التعريض بأن الكفرَةَ هم الظالمون ظلموا أنفسَهم بتعريضها للعذاب الخالد كما في قوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ الناس شَيْئًا ولكن الناس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}. اهـ.

.قال ابن عادل:

قوله: {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ} اللام- في {لِلْعَالَمِينَ}- زائدة- لا تعلُّق لها بشيء، زيدت في مفعول المصدر وهو ظلم والفاعل محذوف، وهو- في التقدير- ضمير الباري، والتقدير: وما الله يريد أن يظلم العالمين، فزيدت اللام، تقوية للعامل؛ لكونه فرعًا، كقوله: {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [البروج: 16]. اهـ.

.قال الجصاص:

قوله تعالى: {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ}؛ قَدْ اقْتَضَى ذَلِكَ نَفْيَ إرَادَةِ الظُّلْمِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَا يُرِيدُ هُوَ أَنْ يَظْلِمَهُمْ، وَلَا يُرِيدُ أيضا ظُلْمَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي مَنْزِلَةِ الْقُبْحِ.
وَلَوْ جَازَ أَنْ يُرِيدَ ظُلْمَ بَعْضِهِمْ لَجَازَ أَنْ يُرِيدَ ظُلْمَهُ لَهُمْ، أَلَا تَرَى أنه لَا فَرْقَ فِي الْعُقُولِ بَيْنَ مَنْ أَرَادَ ظُلْمَ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ وَبَيْنَ مَنْ أَرَادَ ظُلْمَ إنْسَانٍ لِغَيْرِهِ، وَأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْقُبْحِ؟ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ إرَادَتُهُ لِلظُّلْمِ مُنْتَفِيَةً مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ. اهـ.

.قال الفخر:

قال الجُبّائي: هذه الآية تدل على أنه سبحانه لا يريد شيئًا من القبائح لا من أفعاله ولا من أفعال عباده، ولا يفعل شيئًا من ذلك، وبيانه: وهو أن الظلم إما أن يفرض صدوره من الله تعالى، أو من العبد، وبتقدير صدوره من العبد، فإما أن يظلم نفسه وذلك بسبب إقدامه على المعاصي أو يظلم غيره، فأقسام الظلم هي هذه الثلاثة، وقوله تعالى: {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا للعالمين} نكرةٌ في سياق النَّفي، فوجب أن لا يريد شيئًا مما يكون ظلمًا، سواء كان ذلك صادرًا عنه أو صادرًا عن غيره، فثبت أن هذه الآية تدل على أنه لا يريد شيئًا من هذه الأقسام الثلاثة، وإذا ثبت ذلك وجب أن لا يكون فاعلًا لشيء من هذه الأقسام، ويلزم منه أن لا يكون فاعلًا للظلم أصلًا ويلزم أن لا يكون فاعلًا لأعمال العباد، لأن من جملة أعمالهم ظلمهم لأنفسهم وظلم بعضهم بعضًا، وإنما قلنا: إن الآية تدل على كونه تعالى غير فاعل للظلم ألبتة لأنها دلت على أنه غير مريد لشيء منها، ولو كان فاعلًا لشيء من أقسام الظلم لكان مريدًا لها، وقد بطل ذلك، قالوا: فثبت بهذه الآية أنه تعالى غير فاعل للظلم، وغير فاعل لأعمال العباد، وغير مريد للقبائح من أفعال العباد، ثم قالوا: أنه تعالى تمدح بأنه لا يريد ذلك، والتمدح إنما يصح لو صح منه فعل ذلك الشيء وصح منه كونه مريدًا له، فدلت هذه الآية على كونه تعالى قادرًا على الظلم وعند هذا تبجحوا وقالوا: هذه الآية الواحدة وافية بتقرير جميع أصول المعتزلة في مسائل العدل، ثم قالوا: ولما ذكر تعالى أنه لا يريد الظلم ولا يفعل الظلم قال بعده {وَللَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} وإنما ذكر هذه الآية عقيب ما تقدم لوجهين:
الأول: أنه تعالى لما ذكر أنه لا يريد الظلم والقبائح استدل عليه بأن فاعل القبيح إنما يفعل القبيح إما للجهل، أو العجز، أو الحاجة، وكل ذلك على الله محال لأنه مالك لكل ما في السموات وما في الأرض، وهذه المالكية تنافي الجهل والعجز والحاجة، وإذا امتنع ثبوت هذه الصفات في حقه تعالى امتنع كونه فاعلًا للقبيح.
والثاني: أنه تعالى لما ذكر أنه لا يريد الظلم بوجه من الوجوه كان لقائل أن يقول: إنا نشاهد وجود الظلم في العالم، فإذا لم يكن وقوعه بإرادته كان على خلاف إرادته، فيلزم كونه ضعيفًا عاجزًا مغلوبًا وذلك محال.
فأجاب الله تعالى عنه بقوله: {وَللَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} أي أنه تعالى قادر على أن يمنع الظلمة من الظلم على سبيل الإلجاء والقهر، ولما كان قادرًا على ذلك خرج عن كونه عاجزًا ضعيفًا لا أنه تعالى أراد منهم ترك المعصية اختيارًا وطوعًا ليصيروا بسبب ذلك مستحقين للثواب فلو قهرهم على ترك المعصية لبطلت هذه الفائدة، فهذا تلخيص كلام المعتزلة في هذه الآية، وربما أوردوا هذا الكلام من وجه آخر، فقالوا: المراد من قوله: {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا للعالمين} إما أن يكون هو لا يريد أن يظلمهم أو أنه لا يريد منهم أن يظلم بعضهم بعضًا فإن كان الأول فهذا لا يستقيم على قولكم، لأن مذهبكم أنه تعالى لو عذب البريء عن الذنب بأشد العذاب لم يكن ظلمًا، بل كان عادلًا، لأن الظلم تصرف في ملك الغير، وهو تعالى إنما يتصرف في ملك نفسه فاستحال كونه ظالمًا وإذا كان كذلك لم يكن حمل الآية على أنه لا يريد أن يظلم الخلق وإن حملتم الآية على أنه لا يريد أن يظلم بعض العباد بعضًا، فهذا أيضا لا يتم على قولكم لأن كل ذلك بإرادة الله وتكوينه على قولكم، فثبت أن على مذهبكم لا يمكن حمل الآية على وجه صحيح والجواب: لم لا يجوز أن يكون المراد أنه تعالى لا يريد أن يظلم أحدًا من عباده؟ قوله الظلم منه محال على مذهبكم فامتنع التمدح به قلنا: الكلام عليه من وجهين:
الأول: أنه تعالى تمدح بقوله: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} [البقرة: 255] وبقوله: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ} [الأنعام: 14] ولا يلزم من ذلك صحة النوم والأكل عليه فكذا هاهنا.
الثاني: أنه تعالى إن عذب من لم يكن مستحقًا للعذاب فهو وإن لم يكن ظلمًا في نفسه لكنه في صور الظلم، وقد يطلق اسم أحد المتشابهين على الآخر كقوله: {وَجَزَاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا} [الشورى: 40] ونظائره كثيرة في القرآن هذا تمام الكلام في هذه المناظرة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

نُدِيمُ مخاطبتنا معك على دوام الأوقات في كل قليل وكثير، عمارة لسبيل الوداد: {وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا للعَالَمِينَ} وأنَّى يجوز الظلم في وصفه تقديرًا ووجودًا- والخلق كلُّهم خَلْقُه- والحكمُ عليهم حُكْمُه؟. اهـ.

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{تِلْكَ آيَاتُ الله نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ}.
إن آيات الله هي حججه وبراهينه وجزاءاته، فمن اسود وجهه يوم القيامة نال العذاب، ومن ابيض وجهه نال الرحمة وهو فيها خالد {تِلْكَ آيَاتُ الله نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ}، فما الذي يجعل إنسانا لا يخبر بالحق؟ لابد أن هناك داعيا عند ذلك الإنسان، فلأِنّ الحق يُتبعه، فهو يخبر بغير الحق. لكن هل هناك ما يتعب الخالق؟ لا؛ فسبحانه وتعالى منزه عن ذلك وعن كل نقص أو عيب إذن فلابد ألاّ يقول إلا الحق، فلا شيء خارج عن ملكه بعد ذلك. يقول سبحانه: {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ}. أنه سبحانه ينفي الظلم عن نفسه كما قال: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46].
والحق لا يريد الظلم على إطلاقه، من نفسه ومنكم أنتم أيها العباد. وكيف يأتي الظلم؟ إن مظاهر الظلم هي- كما نعرف- أن تأخذ إنسانا بغير جرم.. هذا ظلم. أو ألا تعطي إنسانا مستوى إحسانه.. هذا ظلم. وماذا يفعل من يقوم بالظلم؟ أنه يريد أن يعود الأمر بالنفع له، فإن كان يريد أَخْذَ إنسانٍ بغير جرم فهو يفعل ذلك ليروي حقدا وغلا في نفسه، وقد يلفق لإنسان جرما؛ لأنه يرى أن هذا الإنسان قد يهدده في أي مصلحة من المصالح، وهو يعلم انحرافه فيها، فيعتقله مثلا، أو يضعه في السجن حتى لا يفضحه.
إذن لا يمكن أن يذهب إنسان عن الحق إلى الظلم إلا وهو يريد أن يحقق منفعة أو يدفع عن نفسه ضررا، والله لن يحقق لذاته منفعة بظلم، أو يدفع ضررا يقع من خلقه عليه؛ أنه منزه عن ذلك؛ فهو القاهر فوق عباده. والحديث القدسي يقول: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي. وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا».
والظالم من البشر جاهل. لماذا؟ لأنه قَوَّى الذي ظلمه، ولم يضعفه، فالظالم يظلم ليضعف المظلوم أمامه، فنقول له: أنت غبي، قليل الذكاء؛ لأنك قويته على نفسك وفعلت عكس ما تريد. ولنوضحْ ذلك- ولله المثل الأعلى- نحن جميعا عيال الله، سننتقل إلى دائرة حياتنا اليومية ونرى عيالنا، إن الواحد منا عندما يكون له أولاد، وجاء ولد من الأولاد وظلم أخاه فَقَلْبُ الوالد يكون مع المظلوم، ويحاول الوالد أن يترضّى ابنه المظلوم. إذن فالولد الظالم ضر أخاه ضررا يناسب طفولته، ولكنه أعطاه نفعا يناسب قوة والده، أنه يجهل حقيقة تقويته لأخيه.
وما دمنا جميعا عيال الله فماذا يفعل الله حين يرى سبحانه واحدا من خلقه يظلم آخر من خلقه؟ لابد أن الحق سيشمل المظلوم برعايته، وهكذا يقوى الظالم المظلومَ، والظالم بذلك يعلن عن غبائه، فلو كان ذكيا، لم ظلم، ولضنّ على عدوه أن يظلمه، ولقال: أنه لا يستأهل أن أظلمه؛ لأنه عن طريق ظلمى له سيعطيه الله مكافأة كبرى، وهي أن يجعله في كنفه ورعايته مباشرة.
وقد نجد واحدا يظلم من أجل نفع عاجل، وينسى هذا الإنسان أنه لن يشرد أبدا ممن خلقه. ونقول لمثل هذا الإنسان: أنت لن تشرد ممن خلقك، ولكنك شردت من المخلوق وداريت نفسك، وحاولت أن تحقق النفع العاجل لنفسك، لكن الخالق قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم. وكأن الحق سبحانه يطمئننا بأن ننام ملء جفوننا لأنه سبحانه لا تأخذه سنة ولا نوم.
{وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ} لأن الظلم لا ينشأ إلا عن إرادة نفعية بغير حق، أو إرادة الضرر بغير جرم، والله غني عن ذلك، ولذلك نجد الحق يؤكد غناه عن الخلق وأنه مالك للكون كله فيقول: {وَللَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (109):

قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى الله تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان أمرهم بالإقبال عليه ونهيهم عن الإعراض عنه ربما أوقع في وهم أنه غير قادر على ضبطهم أو محتاج إلى ربطهم أزال ذلك دإلا على أنه غني عن الظلم بقوله: {ولله} الملك الأعلى ما أي كل شيء {في السماوات و} كل {ما في الأرض} من جوهر وعرض مِلكًا ومُلكًا.
ولما كان المقصود سعة الملك لم يضمر لئلا يظن تخصيص الثاني بما في حيز الأول فقال: {وإلى الله} الذي لا أمر لأحد معه {ترجع الأمور} أي كلها، التي فيهما والتي في غيرهما، فلا داعي له إلى الظلم، لأنه غني عن كل شيء وقادر على كل شيء. اهـ.